وفي شهر رمضان من سنة ست استسقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأهل المدينة فمطروا، فقال «صلى الله عليه وآله»: أصبح الناس مؤمناً بالله، كافراً بالكواكب.

وذلك لأن الناس كانوا قد قحطوا، فطلبوا منه «صلى الله عليه وآله» أن يستسقي لهم، فخرج، ومعه الناس يمشون بالسكينة والوقار، إلى المصلى، فصلى بهم ركعتين، يجهر بالقراءة فيهما، وقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، والثانية بفاتحة الكتاب، وهل أتاك حديث الغاشية..

ثم استقبل الناس بوجهه، وقلب رداءه، لكي ينقلب القحط إلى الخصب، ثم جثا على ركبتيه، ورفع يديه، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهم اسقنا وأغثنا غيثاً مغيثاً، وحياءً ربيعاً.. الخ..

فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب، فالتأم بعضه إلى بعض، ثم أمطرت سبع أيام بلياليهن، فأتاه المسلمون، وقالوا: يا رسول الله، قد غرقت الأرض، وتهدمت البيوت، وانقطعت السبل، فادع الله تعالى أن يصرفها عنا.

فضحك رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو على المنبر حتى بدت نواجذه، تعجباً لسرعة ملالة بني آدم. ثم رفع يديه، ثم قال:

حوالينا، ولا علينا، اللهم على رؤوس الظراب، ومنابت الشجر، وبطون الأودية، وظهور الآكام.

فتصدعت عن المدينة حتى كانت مثل ترس عليها، كالفسطاط، تمطر مراعيها، ولا تمطر فيها قطرة([1]).

ثم قال: لله أبو طالب، لو كان حياً لقرت عيناه، من الذي ينشدنا قوله!

فقام علي «عليه السلام»، فقال: يا رسول الله، كأنك أردت:

وأبيض يستسقى الغـمام بوجهـه       ثـمال اليتـامى عصـمـة  لـلأرامـل
يلـوذ به الهـلاك من آل  هـاشـم         فـهـم عـنـده في نـعـمـة وفواضل
كـذبتم وبيت الله يـردى  محمـد         ولمـا نـقـاتـل دونـــه   ونـنـاضـل
ونسلمه حتى نـصـرع حـولــه           ونـذهــل عـن أبـنـائـنا والحلائل

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أجل.

فقام رجل من كنانة يترنم، ويذكر هذه الأبيات:

لـك الحمد  والشـكـر ممن شكـر                 سـقـيـنـا بـوجـه الـنـبـي المـطــر
دعـــــا الله  خــالـقـنـا  دعــوة              إلـيـه وأشـخـص مـنــه الـبـصر
ولــم يـك  إلا كـقـلـب  الـرداء            وأسـرع حـتـى رأيـنـــا المــــطر
دفــاق الـغــرائــل جـم  البعاق           أغــــاث بــــه عـلـيــنـا  مـضر
وكـــان كـــــما قــــالـــه عمه            أبــو طــالــب أبـيـض ذو غــرر
بــه الله يـسـقـي صيـوب الغـمام        وهـذا الـعــيــان لـــذاك الخــبر
فـمـن يـشـكــر الله يـلــق المزيد         ومـن يـكـفـر الله يـلــق الـعـبر

شعر ابي طالب في مدح الرسول